عدي ومعاوية بن أبي سفيان

دخل عدي بن حاتم على معاوية بن أبي سفيان يوما ً، فسأله معاوية : أين الطرفات ؟
ويعني طريفا ًوطارفا ًوطرفة أولاد عدي .
فأجاب عدي : قتلوا يوم صفين بين يدي علي بن أبي طالب ( ع ).
فقال معاوية : ما أنصفك ابن أبي طالب ، إذ قدّم بنيك وأخّر بنيهِ .
فقال عدي : بل أنا ما أنصفت عليا ، إذ قتل وبقيت أنا .
ثم ألتفت معاوية الى عدي ، وقال له : صف لي عليا : فقال عدي : إن رأيت أن تعفيني ، فقال معاوية : لا أعفيك .
فوصف عدي عليّا بقوله :ــ
كان والله بعيد المدى ، شديد القوى ، يقول عدلا ًويحكم فصلا ً، تنفجر الحكمة من جوانبهِ
والعلم من نواحيهِ ، يستوحش من الدنيا وزهرتها ، ويستأنس بالليل ووحشته.
وكان والله غزير الدمعة طويل الفكرة ، يحاسب نفسه إذا خلا ويقلّب كفيه على مامضى ، يعجبه من اللباس القصير ومن المعاش الخشن ، وكان فينا كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ويدنينا إذا أتيناه . ونحن مع تقريبه لنا وقربه منا لانكلمه لهيبتهِ ، ولانرفع أعيننا إليه لعظمتهِ ،فإن تبسّم كاللؤلؤ المنظوم ،يعظّم اهل الدين ويتحبب الى المساكين ، لايخاف القوي ظلمه ولاييأس الضعيف من عدله.
فأقسم لقد رأيته ذات ليلة وقد مثل في محرابه وأرخى الليل سرباله (ظلامه ) وغارت نجومه ، ودموعه تتحادر على لحيته وهو يتململ تململ السليم (من لدغته أفعى) ويبكي بكاء الحزين ،فكأني الآن أسمعه يقول :ـــ
( يادنيا إليّ تعرضت أم إليّ أقبلتِ ، غرّي غيري ،لاحان حينك ، قد طلّقتك ثلاثاً لارجعة لي فيك ، فعيشك حقير ،وخطرك يسير ، آه آه من قلة الزاد ، وبعد السفر ، ووحشة الطريق )


هنا دمعت عينا معاوية ، وجعل ينشفهما بكمه (طرف ردن ثوبه ) ثم قال : ((يرحم الله أبا الحسن إنه كان كذلك))
ثم أضاف قائلا ً لعدي بن حاتم : فكيف صبرك عليه ؟
فأجاب : كصبر مَن ذبح ولدها في حجرها ، فهي لاترقأ(تجف) دمعتها ، ولاتسكن عبرتها .
ثم سأله معاوية : فكيف ذكرك له ؟
قال عدي : وهل تراني أنساه .
تعقيب :ــ إن كنت تعرفه يامعاوية وهو بهذه الصفات ، لِمَ حاربتهُ ؟ وعلام تبكي ؟ أم هي دموع التماسيح .
كتابة وطباعـــة : المدرس سعد حسن الخفاجي